قصي بن موسى البلوشي
في زمنٍ تتسابق فيه الشاشات لتملأ عقولنا قبل أن تملأ أعيننا، تتزايد الأخبار وتتدفق التحليلات السياسية والاقتصادية من كل حدب وصوب، حتى يُخيّل للمرء أن معركة الوعي أصبحت أكثر شراسة من أي وقت مضى. وفي قلب هذا العالم المتشابك، يقف الفرد العُماني كعنصر محوري في ترسيخ الاستقرار والحكمة، لا كمجرد متلقٍ سلبي، بل كحارس واعٍ لأولوياته الوطنية.
كثيرٌ من الأخبار التي تصلنا من دول أخرى تحمل طابعًا مثيرًا: صراعات، تحليلات متضاربة، وأحيانا شائعات مقنّعة بهيئة "سبق صحفي". والواقع أن الانشغال المفرط بقضايا لا تخص الوطن قد يُربك البوصلة الفكرية، ويخلق رأيًا عامًا هشًا قائمًا على تشظّي الاهتمام، بدلًا من تعزيزه بقضايا الوطن الكبرى.
وهنا، يكون السؤال الأهم: لماذا ينشغل البعض بساحات الآخرين، بينما ساحة وطنه أولى بالتفكّر؟
ليس مطلوبًا من الفرد العُماني الانعزال عن العالم، بل العكس، أن يكون على وعي ناضج يميّز بين الخبر الذي يُثريه والخبر الذي يُربكه. وهنا، يكون دوره كفلتر يعبر من خلاله الخبر لا العكس. وأن يُسهم بصوته، لا أن يُساق برأي غيره. أن يسأل: "كيف يخدم هذا وطني؟" قبل أن يضغط "مشاركة" على منشور من حسابٍ مجهول.
وفي ظل هذا الوضع، يكون السؤال: كيف يمكن إعادة توجيه البوصلة الإعلامية للفرد؟ وتتلخص الإجابة في التالي: "دعم الإعلام الوطني والموثوق به والتفاعل الواعي مع محتواه، وبناء ثقافة رقمية تُغلب النقد على التهويل والتحليل على التلقين، وتذكير النفس دائمًا بأن الولاء للوطن يبدأ من الوعي لا من الانفعال".
إن مواجهة سيل الأخبار ليس في حجبها بل في مواجهتها بفكرٍ ناقد وعقلٍ متزن. فـالفرد الواعي هو اللبنة الأولى في جدار السيادة والاستقرار. وفي السلطنة التي بنيت على الحكمة لا مكان للانجراف، بل كل المساحات مفتوحة للتأمل، للتمييز، وللكلمة التي تُكتب بحبر الوفاء.